الجمعة، 4 ديسمبر 2009

لازلنا في حاجة ماسة لثقافة الشباب



اعتبارا للتداعيات الأخيرة، لما حدث بالعراق ونهج التعاطي معها من طرف كافة القادة العرب، تأكد مرة أخرى أن الشباب العربي لا زال يعاني الأمرين من جراء سيادة الأنظمة الاستبدادية البيروقراطية التي لا تنتج ولا تعيد سوى إنتاج أنماط سلطة غير ديمقراطية مهما جرى من إصلاحات ومن وصفات التغيير التي تملى عليها من طرف الغير.
إن هذه الأنظمة لا تكتفي بتهميش الشباب ولكنها ظلت تسعى إلى جعل دوره ينحصر في الخضوع لها والالتزام بقوانينها مما يشعرهم بالتهميش، وبالتالي بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته؛ وفي واقع الأمر، إن هذا الشعور، طالت مدته أم قصرت، فإنه يشكل مرحلة وسطى وانتقالية بين الانسحاب من المجتمع والتمرد عليه، ويتمظهر هذا التحول إما عبر الانسحاب من الواقع ورفضه أو الخضوع له، في الوقت الذي يعاني فيه الشباب من التذمر والتمرد على المجتمع ومحاولة تغييره ولو كان ذلك بقوة السلاح وباعتماد مختلف أشكال العنف.
إن استمرار تجاهل قضية الشباب في مجتمعاتنا العربية وعدم معالجة ما يلاقونه من تدهور وتردي الأوضاع وابتعادهم عن الاهتمام بالشأن السياسي وبتاريخ أوطانهم وموقف اللامبالاة مما يجري حولهم، بكل بساطة، أراد من أراد وكره من كره، نتيجة حتمية لسياسات التجاهل لمواجهة قضاياهم وإشراكهم في هذه المواجهة، وقد حولهم واقع الحال الذي يعيشونه إلى "معين" يغرف منه كل من لديه مصلحة خاصة في تجنيدهم واستخدامهم لغاية في نفس يعقوب.
أتعبنا السياسيون بالقول إنه لابد من إقحام الشباب في المشاركة وسماع رأيهم في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واعتماد الاختيارات الكبرى، وتوسيع دورهم ومساهمتهم في كل ما يتعلق بحياتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم، وأن يمثل الشباب في المؤسسات السياسية والديمقراطية والتشريعية.. لكن ذلك يظل مجرد لغو كسكب الماء في الصحراء القاحلة، لتظل دار لقمان على حالها، ويتناسى هؤلاء أن الثقافة السياسية تعتبر جزءا وشرطا مهما في ثقافة الشباب إن نحن أردنا فعلا تدريبهم وتأهيلهم للقيادة في مرحلة لاحقة؛ هذا هو باب ولوجهم الفعلي في نسيج المجتمع بدلا من دفعهم، من حيث لا ندري، إلى أدوات الهدم والتخريب.
فلا مفر من وضع ثقافة متوازية للشباب تراعي تراثهم وتاريخهم القطري والقومي وتسعى للحاق بالثقافة الحديثة المنفتحة على العلم والتكنولوجيا، والمتطلعة إلى مزيد من الكشف عن الكون وأسراره وتسهل استعدادهم القبلي على اكتشاف ثقافة الشعوب والأمم، قصد التعامل والتفاعل معها في عالم اليوم، الذي بدأت تتشابك فيه الشعوب بثقافاتها المختلفة على درب التعاون والتلاقي والاندماج في ثقافة كونية، تسعى لإشاعة السلام في العالم وتحتفظ في الوقت ذاته لكل شعب بخصوصياته وعاداته وتقاليده ودينه وتراثه القومي، ضمن حركية التفاعل مع الثقافات الأخرى.
شبابنا اليوم يلهث وراء الإعلام الخارجي (الأجنبي) باحثا عن الحقيقة التي يشك في صدقها وصدقيتها ومصداقيتها وفي إعلامهم الرسمي، إذ أضحوا على يقين أنهم سيجدونها عند الآخر، وهنا بداية "الطريق السيار" للانسلاخ الثقافي وفقدان الثقة بكل ما هو محلي ما دامت الثقة مفقودة أصلا بين القائمين على الأمور.
لذا نكون قد ارتكبنا خطأ تاريخيا فادحا، إذا أصررنا على استمرارنا في التصور أن بإمكاننا المضي على درب إبعاد جيل الشباب عن المشاركة الكاملة أساسا، في إدارة شؤون حياتهم ورسم مستقبلهم والمساهمة في تدبير الشأن العام.
وخلاصة القول إن جل الدراسات والأبحاث الحديثة تدل على أن المجتمعات التي تتعرض للتغير السريع لا يعود فيها الآباء يملكون ما يقدمونه لأبنائهم، لأن معارفهم تفقد ملاءمتها للواقع الجديد والمستجد، وبذلك أصبحت العلاقة بين الأجيال حوارا مستداما لا تلقين دروس وأوامر، فمتى سنفتح حوارا جديا ومسؤولا مع شبابنا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق