الجمعة، 4 ديسمبر 2009

غضب وتذمر في انتظار غد وردي



إن التذمر والغضب السائدين كشفا من جديد أن أسلوب التماطل والوعود الفضفاضة واعتماد المكر السياسي وسياسة المكر كنهج للتدبير، لن يقود البلاد إلا إلى المزيد من الاحتقان.
ويبدو أن الناس في همّ والقائمون على الأمور في همّ آخر، فمغاربة اليوم يرنون إلى المستقبل ويخافون على الحاضر، بل العديد منهم يخافون منه، في حين يهتم القائمون على أمورنا بتبريد الأجواء المتلهبة.
إن موجات الغضب والسخط التي اخترقت فئات عريضة من الشعب المغربي تشير من جديد إلى سقوط العديد من الطابوهات والخطوط الحمراء، كما أنها سمحت بانبثاق وعي مواطن جديد ساهم في حشد المجتمع المدني على مرأى الأحزاب السياسية ونقاباتها، والتي ظلت غائبة عن هذه الصيرورة، علما أنه مازالت هناك جيوب تعمل على محاولة اغتيال استرجاع أمل الخروج من عنق الزجاجة، وهي ذات الجهات التي ساهمت بقوة في جعل المغرب يتراجع أكثر مما يتقدم.
فطريق الخلاص، في عرف الجميع الآن، هو المشروع الديمقراطي الضامن لتجميع شروط تحقيق تقدم مادي ومعنوي، لأنه هو الكفيل الآن دون سواه، أكثر من أي وقت مضى، بتمكين السواد الأعظم من المغاربة من الكرامة، وذلك لأنه يستجيب لطموحاتهم الأساسية في العدالة الاجتماعية والمساواة والآمن واسترجاع الأمل في المستقبل.
يبدو أن شهر أكتوبر سيكون شهرا للإعلان عن التذمر والتصدي للمحسوبية والزبونية في مختلف القطاعات، فبعد غضب رجال الأمن وانتفاضة الجماهير ضد الغلاء، ها هم موزعو البريد يجهرون بتذمرهم من جراء التسيير المزاجي للمسؤولين وعدم فتح تحقيقات حول التعسفات اليومية واستنكار الحملات الشرسة ضد من لهم الشجاعة للتوقيع على عرائض التنديد بالواقع المر والتمييز بين العاملين حسب الولاءات وحسب درجة الاجتهاد في التملق ولعق الأحذية، وكذلك الأمر في صفوف رجال الجمارك وقطاعات أخرى تستعد للتحرك على هذا المسار، كل بطريقته وأسلوبه.
إن مختلف التحركات الاجتماعية وسط أوسع الفئات أو النضالات القطاعية المعلنة الآن أو التي في طور الإعداد تشير إلى حقيقة واحدة، لا ثاني لها، وهي لا طريق أمام المغرب للخروج من الوضع الذي يوجد فيه الآن إلا بالإقرار بمنافسة ديمقراطية حرة ونزيهة وشفافة عوض الارتكاز على استغلال النفوذ والمواقع وتدبير المال العام بشتى الوسائل، المشروعة منها وغير المشروعة، إنه الطريق الوحيد المجدي لمحاربة التيئيس والتصدي للتشكيك في بناء الصرح الديمقراطي.
في هذا الخضم، بدت مشاورات ومفاوضات وتقسيم "كعكعة الاستوزار" كأنها لا تهم السواد الأعظم من المغاربة على اعتبار أنه سبق لهم وأن حددوا موقفهم بوضوح (أكثر من 60 بالمائة قاطعوا الاستحقاقات الأخيرة)، فالمعلومات النادرة التي تسربت عن تلك المشاورات حملت همّا واحدا، عدد الحقائب الممكن الفوز بها والمواقع المهمة التي سترتبط بها، فلم نسمع أن تلك المشاورات والمساومات همت ملفات كبرى أو برامج عمل أو رؤى وأهداف، كأن الأمر لا يتعلق بشعب ومواطنين، وإنما القضية قضية "كعكة" معروضة لـ "الوزيعة والتويزة"، وجب حشد كل الدهاء السياسي وغير السياسي من أجل الفوز بأكبر قطعة منها.
إن المغرب اليوم في حاجة لمتخصصين في تدبير الأزمات مادام أنه وصل إلى مفترق الطرق، ومما يساهم في المزيد من تعقيد الأمور الصراع على السلطة تحت يافطة الدفاع عن مصالح الشعب واعتماد الحلول الترقيعية التي فشلت إلى حد الآن في تلبية المطالب الشعبية الأساسية.
فالبارز حاليا هو الطمع والجشع واللهث وراء المناصب والكراسي في وقت لا زالت فيه الأحزاب السياسية مصممة على عدم الاعتراف والإقرار بفشلها في استرجاع الثقة والأمل للمغاربة.
إن تعاظم الغلاء وانهيار القدرة الشرائية حولا أيام العديد من المغاربة إلى جحيم وعذاب لا نهاية له، وضاعفا من حجم المعاناة الشاملة التي أضحت الصفة العامة لحياتهم على مدار الأيام.
في ظل هذا الواقع المر تطل علينا وسائل الإعلام الرسمية بمشاريع تثير انتظار انعكاساتها الإيجابية على أوضاع أوسع الفئات واتفاقيات اقتصادية كبرى، إلا أنه لا تجني نتائجها إلا قلة على حساب معاناة السواد الأعظم ومآسيهم.
ولم يعد يخفى على أحد الآن أن الأزمة المركبة تفاقمت بفعل اختيارات اقتصادية واجتماعية، بعضها لا زال ساري المفعول حاليا، حيث يتواصل تراجع الاستثمارات العمومية وتفكيك القطاع العام بتفويته للخواص، وما يترتب على ذلك من تفاقم البطالة وتنامي تسريحات العمال والمستخدمين، وضعف التشغيل وتصفية الخدمات العمومية، من صحة وتعليم وسكن...
فإلى حد الآن لم يستفد من بداية تجربة "التغيير والانتقال الديمقراطي" إلا حفنة من المحظوظين، بعضها اعتمد أساليب الثراء المشروع وبعضها الآخر اختار طرق الثراء غير المشروع، مستفيدين من غياب الدرجة المرجوة من الشفافية في تدبير الشأن العام وتحمل المسؤولية المشروطة بالمراقبة والمحاسبة.
لذا تتأكد من جديد ضرورة العمل على إبعاد أسباب تهميش المواطنين تحت طائلة المزيد من تعميق الهوة بين الهيآت السياسية والسواد الأعظم من المغاربة، ومما يحز في القلب أن السياسيين لا يولون لهذه الإشكالية الأهمية التي تتطلبها. قد يكون ذلك من الصعب، فهم أسباب الأزمة قبل أو أثناء حدوثها، إلا أنه يمكن فهم أزمات الماضي وأسبابها جيدا، ولأن الماضي أمر معلوم، فإن أفضل وسيلة لفهم الأزمة الحالية تتلخص في الاستعداد القبلي للبحث عن سبيل تجنب تكرار أخطاء الماضي، لكن ما لا يمكن قبوله هو الوقوف كالمتفرج دون فعل أي شيء.
فهل أحزابنا السياسية أضحت مجرد واجهة لمنظمات "مغلقة" على نفسها (ربما "سرية" في تدبير شؤونها الداخلية) تريد الظفر بوزارات أو كراسي في البرلمان أم هي مجرد مجاميع نخبوية تريد الوجاهة؟ أم أنها أصبحت مجرد فقاعات طارئة ليس لها جذور، لكونها موسمية مرتبطة بالانتخابات أو بإفرازات النزاعات والصراعات الداخلية المؤدية إلى خلق فقاعات طارئة أخرى.
وكذلك الحال بالنسبة للنقابات، إذ شعرت الشغيلة في عمومها أنها خذلتها، وهذا طبيعي جدا، بحكم تبعيتها للأحزاب السياسية، إذ ظلت "مخلوقات" فرعية لها تعمل تحت إمرتها، وبالتالي من المنطقي أن لا تحظى مصالح الشغيلة بالأولوية، ما دامت الأولوية الآن لمصالح سياسيي الأحزاب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق