الجمعة، 4 ديسمبر 2009

التنمية و السوق



التنمية هي نتاج لجملة من العوامل، و لعل أهمها في عصرنا الحالي حجم السوق. فأمريكا ما كانت لتكون القوة الأولى في العالم اليوم لولا حجم سوقها. فلو كانت أمريكا ولايات مستقلة لما بلغت الشأن الاقتصادي الفائق في العالم، و ما كانت لتكون القوة العظمى على كل صعيد.
فقوة الدولة سياسيا و عسكريا و تكنولوجيا هي رهينة بالقوة الاقتصادية، و هذه الأخيرة رهينة بحجم السوق، لأن الصناعة – العمود الفقري للاقتصاديات المتطورة – لا تنعم بفرصة التوسع و النمو إلا في كنف أسواق تسمح بتصريف منتوجاتها.
و كمثال آخر، هناك الصين و الهند اللتان سارتا في هذا الاتجاه. و هناك كذلك مثال أوروبا التي اكتسبت منذ الحرب العالمية الثانية حجما اقتصاديا، و بالتالي سياسيا و عسكريا و تكنولوجيا ملحوظا في العالم.
لكن أين نخن من كل هذا؟
لقد تبنت حكوماتنا خططا تنموية، إلا أنها في غالبيتها إن لم تكن كلها، تظل رهينة بحركة الاستثمار الخارجي. لكن إشكالية التنمية ببلادنا تظل بالأساس مرتبطة بالتفتت و ضيق الأسواق الداخلية. فاقتصادنا من الكيانات الاقتصادية الصغيرة لا تكاد تجد لها مكانا في معايير الاقتصاد العالمي سواء فيما يخص حجم السوق أو إجمالي الناتج المحلي. لذلك فإن مخططات تنميتنا ظلت تعتمد بالأساس على الانفتاح على الخارج و تدخل في حسابها بطريقة جوهرية دور الاستثمارات الخاصة لاسيما الخارجية و الأجنبية منها، و كذلك المساعدات و القروض المقدمة من طرف الصناديق و المؤسسات الدولية.
إن البعد الخارجي ظل حاضرا و بقوة خاصة في مخططات تنكيتنا، لكن هذا لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعوض الدور الحاسم الذي يؤديه حجم السوق الداخلية، و مع الأسف هذا ما نفتقر إليه أساسا الآن. و بالتالي فإن إمكانات التنمية ستبقى محدودة و ضيقة مهما بذلت من مجهودات مادام حجم سوقنا لن يكون من شأنه التمكن من تغيير جدري في واقعنا الراهن بالسرعة اللازمة و المنشودة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق