الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

"للي تلف يشد الأرض"




تزداد أهمية طرح الأسئلة الكبرى في هذه الظرفية بالذات اعتبارا لاستمرار الحكومة وأغلبيتها الفاقدة للثقة الشعبية، لاسيما بعض رفض نهجها في اعتماد الإقصاء السياسي خصوصا بعد أن رفض المجلس الدستوري قبول سن قوانين انتخابية اقصائية، هذا في وقت مازالت تكرس فيه الحكومة سيرورة التهميش الاجتماعي عبر التفرج على تدهور الأوضاع المعيشية لأغلب المغاربة وضرب القدرة الشرائية للمواطنين والتدبير الاقتصادي المعتمد على الاستمرار غير المبرر في اعتماد الخوصصة وبيع القطاعات الإستراتيجية في المزاد العلني وفتح الأسواق الوطنية على مصراعيها للشركات العابرة للقارات دون الاهتمام بتنافسية المقاولات الوطنية، والتبني غير المشروط لقرارات المؤسسات المالية الدولية.. كل هذا وغيره من شأنه أن يخلق أزمة سياسية وان يساهم بسرعة غير مسبوقة في المزيد من تعميق الفوارق الاجتماعية.

فلن يكسب القائمون على الأمور ثقة أوسع الفئات ومؤازرتهم إلا بإعادة الشعور ولو بالحد الأدنى من الاطمئنان عن الغد القريب، ولن يتأتى هذا إلا بإعادة النظر في مختلف القضايا المطروحة التي لا محيد عنها، أراد من أراد وكره من كره، لقد أضحى ذلك الآن، مطلبا حيويا وضرورة تاريخية عليها تتأسس المرحلة القادمة وإلا وجب على هؤلاء القائمين على الأمور اللجوء إلى كسب ود الشعب قسرا وربما تسفيها، وإن تم هذا علينا انتظار كل الاحتمالات، بما في ذلك إعادة إنتاج بعض تداعيات الماضي، وإن حصل ، فهذه المرة سيكون وقع ردة الفعل أقوى وأعنف من السابق، وهذا يجرنا مرة أخرى إلى اعتبار أنه ما دامت الأزمة الاقتصادية قائمة، والأوضاع المعيشية سائرة نحو المزيد من التدهور فلا مندوحة من إعادة النظر في سياسة التوزيع في أقرب الآجال ما دامت الفوارق الاجتماعية، ليس عن بروز روح مقاولاتية، تمكن أصحابها من مراكمة ثروة عبر إنتاج وتراكم ثروات مضادة، وإنما هي ناتجة عن النهب والاستفادة من الامتيازات التي ظل يمنحها النظام للمقربين، وهنا تكمن الأسباب الحقيقية للوضعية التي تعيش فيها البلاد الآن.

لا نكاد نخرج من أزمة حتى نسقط في أخرى جديدة، لا أدري هل السبب هو الوهم الذي يسيطر على القائمين على الأمور من أن هناك إمكانية للتصدي للمعضلات الكبرى دون إلزامية المرور بإعادة النظر في السياسة المجحفة لتوزيع الثروة والدخل دون طمر الهوة الكبيرة بين أغنى المغاربة وأفقرهم، فلن تستقيم مقومات النمو إلا بقبول النظر بجدية في هذه الإشكالية التي ظل النظام يتجاهلها بالرغم من أن كل مكونات الركح السياسي المناضلة ظلت ترفع مطلب إعادة النظر في سياسة توزيع الثروات منذ أن حصلت البلاد على استقلالها، ولم تخل يوما تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من إثارة هذا المشكل رغم أنهما مؤسستين موكلتين للدفاع عن الرأسمالية والامبريالية.

ويبدو أنه لا زال هناك هاجس حدوث توترات اجتماعية بفعل استمرار تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم مظاهر الأزمة، لاسيما وأن جملة من القطاعات بدأت تدخل في ساحة النضال، بما في ذلك سكان البوادي الذين بدأوا يلجؤون إلى التنديد والاحتجاج بوسائل لم تكن ممارسة من قبل، بفعل المراقبة اللصيقة لهم من طرف الدرك الملكي ورجال السلطة عندما كان الهاجس الأمني هو سيد الموقف، وإذا كان في السابق يتم إخماد الحركات الاحتجاجية بتنفيذ المجازر الجماعية والاعتقالات الكثيفة وإصدار الأحكام الظالمة والمجحفة، فإنه اليوم أضحى من الصعب بمكان اعتماد هذه الأساليب، علما أن الأوضاع لا زالت سائرة نحو التردي وبوتيرة مستدامة تنسف مختلف الانتظارات المتراكمة منذ منتصف الخمسينيات، وهذا وضع خطير.

لا يزال برلماننا مجبولا على البقاء بمثابة شاهد فقط على ما تقرره لجن فوقية خاضعة لتوجيهات من جهات وأجهزة خاصة، هذا هو الدور الذي يقوم به.

الأهم من هذا وذاك كثرت مشاكلنا، والحكمة الشعبية تقول "للي تلف يشد الأرض".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق