الأربعاء، 16 ديسمبر 2009

"للي تلف يشد الأرض"




تزداد أهمية طرح الأسئلة الكبرى في هذه الظرفية بالذات اعتبارا لاستمرار الحكومة وأغلبيتها الفاقدة للثقة الشعبية، لاسيما بعض رفض نهجها في اعتماد الإقصاء السياسي خصوصا بعد أن رفض المجلس الدستوري قبول سن قوانين انتخابية اقصائية، هذا في وقت مازالت تكرس فيه الحكومة سيرورة التهميش الاجتماعي عبر التفرج على تدهور الأوضاع المعيشية لأغلب المغاربة وضرب القدرة الشرائية للمواطنين والتدبير الاقتصادي المعتمد على الاستمرار غير المبرر في اعتماد الخوصصة وبيع القطاعات الإستراتيجية في المزاد العلني وفتح الأسواق الوطنية على مصراعيها للشركات العابرة للقارات دون الاهتمام بتنافسية المقاولات الوطنية، والتبني غير المشروط لقرارات المؤسسات المالية الدولية.. كل هذا وغيره من شأنه أن يخلق أزمة سياسية وان يساهم بسرعة غير مسبوقة في المزيد من تعميق الفوارق الاجتماعية.

فلن يكسب القائمون على الأمور ثقة أوسع الفئات ومؤازرتهم إلا بإعادة الشعور ولو بالحد الأدنى من الاطمئنان عن الغد القريب، ولن يتأتى هذا إلا بإعادة النظر في مختلف القضايا المطروحة التي لا محيد عنها، أراد من أراد وكره من كره، لقد أضحى ذلك الآن، مطلبا حيويا وضرورة تاريخية عليها تتأسس المرحلة القادمة وإلا وجب على هؤلاء القائمين على الأمور اللجوء إلى كسب ود الشعب قسرا وربما تسفيها، وإن تم هذا علينا انتظار كل الاحتمالات، بما في ذلك إعادة إنتاج بعض تداعيات الماضي، وإن حصل ، فهذه المرة سيكون وقع ردة الفعل أقوى وأعنف من السابق، وهذا يجرنا مرة أخرى إلى اعتبار أنه ما دامت الأزمة الاقتصادية قائمة، والأوضاع المعيشية سائرة نحو المزيد من التدهور فلا مندوحة من إعادة النظر في سياسة التوزيع في أقرب الآجال ما دامت الفوارق الاجتماعية، ليس عن بروز روح مقاولاتية، تمكن أصحابها من مراكمة ثروة عبر إنتاج وتراكم ثروات مضادة، وإنما هي ناتجة عن النهب والاستفادة من الامتيازات التي ظل يمنحها النظام للمقربين، وهنا تكمن الأسباب الحقيقية للوضعية التي تعيش فيها البلاد الآن.

لا نكاد نخرج من أزمة حتى نسقط في أخرى جديدة، لا أدري هل السبب هو الوهم الذي يسيطر على القائمين على الأمور من أن هناك إمكانية للتصدي للمعضلات الكبرى دون إلزامية المرور بإعادة النظر في السياسة المجحفة لتوزيع الثروة والدخل دون طمر الهوة الكبيرة بين أغنى المغاربة وأفقرهم، فلن تستقيم مقومات النمو إلا بقبول النظر بجدية في هذه الإشكالية التي ظل النظام يتجاهلها بالرغم من أن كل مكونات الركح السياسي المناضلة ظلت ترفع مطلب إعادة النظر في سياسة توزيع الثروات منذ أن حصلت البلاد على استقلالها، ولم تخل يوما تقارير البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من إثارة هذا المشكل رغم أنهما مؤسستين موكلتين للدفاع عن الرأسمالية والامبريالية.

ويبدو أنه لا زال هناك هاجس حدوث توترات اجتماعية بفعل استمرار تدهور الأوضاع المعيشية وتفاقم مظاهر الأزمة، لاسيما وأن جملة من القطاعات بدأت تدخل في ساحة النضال، بما في ذلك سكان البوادي الذين بدأوا يلجؤون إلى التنديد والاحتجاج بوسائل لم تكن ممارسة من قبل، بفعل المراقبة اللصيقة لهم من طرف الدرك الملكي ورجال السلطة عندما كان الهاجس الأمني هو سيد الموقف، وإذا كان في السابق يتم إخماد الحركات الاحتجاجية بتنفيذ المجازر الجماعية والاعتقالات الكثيفة وإصدار الأحكام الظالمة والمجحفة، فإنه اليوم أضحى من الصعب بمكان اعتماد هذه الأساليب، علما أن الأوضاع لا زالت سائرة نحو التردي وبوتيرة مستدامة تنسف مختلف الانتظارات المتراكمة منذ منتصف الخمسينيات، وهذا وضع خطير.

لا يزال برلماننا مجبولا على البقاء بمثابة شاهد فقط على ما تقرره لجن فوقية خاضعة لتوجيهات من جهات وأجهزة خاصة، هذا هو الدور الذي يقوم به.

الأهم من هذا وذاك كثرت مشاكلنا، والحكمة الشعبية تقول "للي تلف يشد الأرض".

الجمعة، 4 ديسمبر 2009

مجرد حلم ليس إلا...




حلمتُ حلما جميلا، وتمنيت أن يكون حقيقة.
حلمتُ أن ناهبي الثروات وممتلكات وأموال الدولة قاموا بتخصيص جزء مما نهبوه لإقامة مشاريع سكنية اجتماعية والمساهمة في إعادة هيكلة الأحياء الهامشية وفضاءات السكن غير اللائق وفي تجهيز مدارس وثانويات وكليات وتشييد مستشفيات وكليات وملاعب رياضية ومساحات خضراء تكفيرا، ولو جزئيا، عما اقترفوه في حق أبناء أوسع فئات الشعب المغربي، الذين عاشوا وماتوا تحت عتبة الفقر وتمرغوا في الجهل وارتموا في أحضان أعيان البلد "وكبارها".
حلمتُ أن الديمقراطية التي عُذب ونُفي واختطف أو أُستشهد من أجلها الكثير من المغاربة قد بدأت تتحقق فعلا وتكرس على أرض الواقع المعيش.
حلمتُ أن المحاسبة والمساءلة أضحيتا قاعدة لا ينجو و يفلت منهما أحد مهما كان موقعه أو حسبه ونسبه أو قربه من هذا أو ذاك. وعاينتُ في حلمي، بالألوان الطبيعية، محاسبة ومساءلة الوزير والقاضي والسفير والجنيرال والوالي والمستشار على " الشاذة والفادة ".
حلمت بجرد حصيلة نهب الماضي القريب، من أموال وعقارات وأراضي وضيعات وشركات لإسترجاع ولو جزء منها وإعادة استثمارها في مشاريع تنموية حقيقية تعود بالنفع الأكيد على العباد والبلاد.
حلمتُ أن كل برلماني ومستشار قام بتوظيف شاب معطل ككاتب خاص وخصص له 2000 درهم شهريا مما يتقاضاه كأجر أو تعويض على قيامه بمهمة الدفاع على من يمثلهم، وذلك كشكل من أشكال التضامن والتآزر الوطني وكتفعيل لروح المواطنة مساهمة منه في التخفيف من وطأة بطالة الشباب، رجال الغد القريب.
حلمتُ أن الدولة تخلت عن دعم جملة من الجهات والأنشطة وعادت إلى دعم صندوق المقاصة الآيل للزوال إن آجلا أم عاجلا، باعتبار أن دعم السكر والدقيق والشاي ( مصدر العيش اليومي لملايين الفقراء) هو أولى وربما أجدى من دعم " دوزيم" ومجالات أخرى حاليا.
حلمت بتخفيض الرواتب الطيطانيكية والامتيازات المرتبطة بها للرفع من الرواتب الهزيلة، وبإعفائها من الضرائب لأن كل درهم يؤدى لمصلحة الضرائب يقتطع اقتطاعا من الحاجيات الحيوية لأصحابها.
حلمتُ كذلك بمشاركة المنتخب الوطني لكرة القدم في نهائيات كأس العالم وبصعود الأبطال المغاربة على البوديوم في الألعاب الأولمبية والتظاهرات العالمية.
لكنني استيقظت فصفعتني مظاهر الواقع المر وتمنيت أن أستمتع بحلم وردي آخر في الليلة القادمة ما دامت أحلام النوم لا يطالها النهب والمحاصرة ببلادي

من أجل وعي إيكولوجي



أصوات ارتفعت قائلة لامناص من البحث عن السبل الناجعة لحماية البيئة و الإنسان... البيئة متضررة و سائرة في التضرر...السكن غير اللائق...القمامات...التلوث...و أخيرا النفايات النووية.
لقد أضحى اليوم الأمن البيئي يشكل ركنا أساسيا من أركان ضمان شروط استمرار الحياة و أصبح التدهور البيئي هما حاضرا رغما عن أنفنا يستدعي الاهتمام الكبير بأمور البيئة و التوازنات البيئية.
فإدارة و تدبير البيئة ليس ترفا و إنما أصبح اليوم أكثر من أي وقت مضى ضرورة حيوية للبقاء، فلامناص إذن من حماية البيئة و إيقاف التدهور البيئي بالتصدي لأسبابه المباشرة و غير المباشرة.
إن عوامل البيئة حاضرة في كل مجالات نشاط الإنسان الحياتية و قد تأكد بجلاء الارتباط الوثيق بين الأنشطة الاقتصادية و البيئية.
و البيئة في بلدنا لها أهمية قصوى ما دامت لازالت و ستظل العماد الأساسي لتنمية مستدامة، و لن نظيف جديدا بالقول أننا جميعا لازلنا مطالبين أكثر من أي وقت مضى بالنظر بجد و جدية إلى إشكالية البيئة لأن حياة الأجيال القادمة مرهون بالحفاظ على التوازنات البيئية. فأي خلل فيها سواء من جراء التلوث أو سوء التدبير يشكل خطرا أكيدا علينا وعليهم، حاليا و مستقبلا إن آجلا أم عاجلا. و الوعي بهذه القضية هو مدخل الوعي الإيكولوجي.
فالوعي الايكولوجي أضحى اليوم يمثل أعلى درجة وعي المرء الراغب في الحفاظ على استمرار الحياة في عصرنا الحالي و بالتالي فلا وعي أصلا الآن بدون وعي ايكولوجي.

التنمية و السوق



التنمية هي نتاج لجملة من العوامل، و لعل أهمها في عصرنا الحالي حجم السوق. فأمريكا ما كانت لتكون القوة الأولى في العالم اليوم لولا حجم سوقها. فلو كانت أمريكا ولايات مستقلة لما بلغت الشأن الاقتصادي الفائق في العالم، و ما كانت لتكون القوة العظمى على كل صعيد.
فقوة الدولة سياسيا و عسكريا و تكنولوجيا هي رهينة بالقوة الاقتصادية، و هذه الأخيرة رهينة بحجم السوق، لأن الصناعة – العمود الفقري للاقتصاديات المتطورة – لا تنعم بفرصة التوسع و النمو إلا في كنف أسواق تسمح بتصريف منتوجاتها.
و كمثال آخر، هناك الصين و الهند اللتان سارتا في هذا الاتجاه. و هناك كذلك مثال أوروبا التي اكتسبت منذ الحرب العالمية الثانية حجما اقتصاديا، و بالتالي سياسيا و عسكريا و تكنولوجيا ملحوظا في العالم.
لكن أين نخن من كل هذا؟
لقد تبنت حكوماتنا خططا تنموية، إلا أنها في غالبيتها إن لم تكن كلها، تظل رهينة بحركة الاستثمار الخارجي. لكن إشكالية التنمية ببلادنا تظل بالأساس مرتبطة بالتفتت و ضيق الأسواق الداخلية. فاقتصادنا من الكيانات الاقتصادية الصغيرة لا تكاد تجد لها مكانا في معايير الاقتصاد العالمي سواء فيما يخص حجم السوق أو إجمالي الناتج المحلي. لذلك فإن مخططات تنميتنا ظلت تعتمد بالأساس على الانفتاح على الخارج و تدخل في حسابها بطريقة جوهرية دور الاستثمارات الخاصة لاسيما الخارجية و الأجنبية منها، و كذلك المساعدات و القروض المقدمة من طرف الصناديق و المؤسسات الدولية.
إن البعد الخارجي ظل حاضرا و بقوة خاصة في مخططات تنكيتنا، لكن هذا لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعوض الدور الحاسم الذي يؤديه حجم السوق الداخلية، و مع الأسف هذا ما نفتقر إليه أساسا الآن. و بالتالي فإن إمكانات التنمية ستبقى محدودة و ضيقة مهما بذلت من مجهودات مادام حجم سوقنا لن يكون من شأنه التمكن من تغيير جدري في واقعنا الراهن بالسرعة اللازمة و المنشودة.

إلى متى سنظل نعاني من غياب المعلومات



إن الأكثر وعيا بالمعاناة الناتجة عن غياب المعلومة أو حجبها هو الصحفي، الممتهن لمهنة المتاعب.. وعموما عانينا، نحن المغاربة، كثيرا من غياب المعلومات والأرقام، وهي المعاناة التي لا تقل أهمية عن تلك الناتجة عن الحرمان أو هدر الحقوق.
أقول ظلت معاناتنا قائمة بسبب عدم توفير المعلومة، بل بالأحرى لعدم الاهتمام بإنتاجها، ولربما بسبب الموقف السلبي من تداول المعلومات، وذلك بكل تأكيد رفض لاعتماد الشفافية.
فهل انتهت هذه المعاناة الآن؟
بالتأكيد هناك تداول معلومات وأرقام أكثر من السابق، وهناك ربما مصادر أفضل لتداولها عما كان عليه الحال خلال سنوات الجمر والرصاص، إذ بدأت جهات تعلن عن نفسها بأنها هي صاحبة هذه المعلومة أو تلك.
وحاليا، ونحن نعيش عصر المعلومة بامتياز، فالإشكالية الراهنة التي تطرح نفسها، تفرض علينا إعادة النظر في آليات إنتاج المعلومة وترويجها، كأداة أولا ثم كحاجة ثانيا، وفق ما تعرفه "القرية العالمية" من تسارع وتيرة نقل المعلومة والاستفادة منها في حينها. هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، فإن انتماءنا لعصر العولمة يفرض كذلك التأكد من دقة المعلومة ومصداقيتها، إذ لا يعقل استخدام معلومة وترويجها، ونحن نعرف أن جهات قد عملت على "فبركتها" أو تحويلها ولربما إفراغها من دلالتها الأصلية، كذلك وجب الاحتراز والحيطة في التعامل مع "المعلومات المخدومة" الصادرة عن الجهات الرسمية، فنحن نعرف ما لنفس يعقوب من حاجة في التمويه على الواقع والمجتمع والذات، بل التاريخ نفسه. وهذا أمر يستدعينا لمحو "الخطإ المقصود" وإثبات الصواب مكانه. وهي خطوة يلزمنا البدء بها، وإلا فإننا سنظل - كما جرت العادة- على هامش الحقيقة، لا للحاضر ننتمي ولا للمستقبل نتطلع ولا للماضي نستوعب.
لاشك أن أصحاب القرار ودوائر صناعته لهم مصادر معلوماتهم وجهات تزودهم بالمعلومات والأرقام الأكثر تجسيدا للحقيقة من تلك المعلن عنها، إلا أن هذا لا يقي القرارات المتخذة من الخطإ باعتبار أنه لا يكفي أن تتوفر لدى هؤلاء المعلومات والأرقام الحقيقية المطلوبة، ما لم يتم الكشف عنها، وما دام صاحب القرار والشأن في نهاية المطاف هو المواطن، وما دمنا قد قررنا العيش في دولة الحق والقانون المكرسة لحقوق المواطنة. انطلاقا من هذا المنظور يكون صاحب القرار هو مواطن يعيش في جو عام، ولابد أن يكون على علم بالمعلومات والأرقام الحقيقة، فالقرار بالمعنى الشمولي للكلمة، في دولة تسعى للإقرار بالديمقراطية وليس فقط قرار القائمين على الأمور أو القرار الحكومي، فكل منا يتخذ في يومه الكثير من القرارات، وهذه القرارات لا بد وأن تستند على معلومات وأرقام حقيقية وليست "مفبركة و "مخدومة".
لا يكاد يمر يوم دون أن نشك في دقة وصحة معلومة ما، يكفي أن نفتح جريدة، أو نشاهد برنامجا تلفزيا، أو نحضر ندوة، أو بكل بساطة أن نجالس زميلا في مقهى، حتى نشك في صدق المعلومة المقدمة والأرقام المعلنة، أخذا بعين الاعتبار أن المعلومة ليست فقط خبرا أو حدثا وإنما هي أيضا " عدد" و " أرقام"، وبالتالي دقة وصدقية.
إيمانا منا بدولة الحق والقانون، في تجسيد المواطنة الحقة وتكريس الفعل الديمقراطي وتوسيع دائرة الحوار وتقديم الأجوبة المقْنِعة (لا المُقًنَّعَة)، وجب على "الجهات الرسمية" وعلى رأسها "الدولة"، أن تعمل على توفير المعلومات بكل صدق ووضوح ودقة، وأيضا بكل نزاهة. ولن يتأتى ذلك إلا عن طريق الشفافية التي لا تزال للأسف الشديد في خبر كان.

لازلنا في حاجة ماسة لثقافة الشباب



اعتبارا للتداعيات الأخيرة، لما حدث بالعراق ونهج التعاطي معها من طرف كافة القادة العرب، تأكد مرة أخرى أن الشباب العربي لا زال يعاني الأمرين من جراء سيادة الأنظمة الاستبدادية البيروقراطية التي لا تنتج ولا تعيد سوى إنتاج أنماط سلطة غير ديمقراطية مهما جرى من إصلاحات ومن وصفات التغيير التي تملى عليها من طرف الغير.
إن هذه الأنظمة لا تكتفي بتهميش الشباب ولكنها ظلت تسعى إلى جعل دوره ينحصر في الخضوع لها والالتزام بقوانينها مما يشعرهم بالتهميش، وبالتالي بالعجز وعدم القدرة على تحقيق ذاته؛ وفي واقع الأمر، إن هذا الشعور، طالت مدته أم قصرت، فإنه يشكل مرحلة وسطى وانتقالية بين الانسحاب من المجتمع والتمرد عليه، ويتمظهر هذا التحول إما عبر الانسحاب من الواقع ورفضه أو الخضوع له، في الوقت الذي يعاني فيه الشباب من التذمر والتمرد على المجتمع ومحاولة تغييره ولو كان ذلك بقوة السلاح وباعتماد مختلف أشكال العنف.
إن استمرار تجاهل قضية الشباب في مجتمعاتنا العربية وعدم معالجة ما يلاقونه من تدهور وتردي الأوضاع وابتعادهم عن الاهتمام بالشأن السياسي وبتاريخ أوطانهم وموقف اللامبالاة مما يجري حولهم، بكل بساطة، أراد من أراد وكره من كره، نتيجة حتمية لسياسات التجاهل لمواجهة قضاياهم وإشراكهم في هذه المواجهة، وقد حولهم واقع الحال الذي يعيشونه إلى "معين" يغرف منه كل من لديه مصلحة خاصة في تجنيدهم واستخدامهم لغاية في نفس يعقوب.
أتعبنا السياسيون بالقول إنه لابد من إقحام الشباب في المشاركة وسماع رأيهم في اتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واعتماد الاختيارات الكبرى، وتوسيع دورهم ومساهمتهم في كل ما يتعلق بحياتهم وتطلعاتهم وطموحاتهم، وأن يمثل الشباب في المؤسسات السياسية والديمقراطية والتشريعية.. لكن ذلك يظل مجرد لغو كسكب الماء في الصحراء القاحلة، لتظل دار لقمان على حالها، ويتناسى هؤلاء أن الثقافة السياسية تعتبر جزءا وشرطا مهما في ثقافة الشباب إن نحن أردنا فعلا تدريبهم وتأهيلهم للقيادة في مرحلة لاحقة؛ هذا هو باب ولوجهم الفعلي في نسيج المجتمع بدلا من دفعهم، من حيث لا ندري، إلى أدوات الهدم والتخريب.
فلا مفر من وضع ثقافة متوازية للشباب تراعي تراثهم وتاريخهم القطري والقومي وتسعى للحاق بالثقافة الحديثة المنفتحة على العلم والتكنولوجيا، والمتطلعة إلى مزيد من الكشف عن الكون وأسراره وتسهل استعدادهم القبلي على اكتشاف ثقافة الشعوب والأمم، قصد التعامل والتفاعل معها في عالم اليوم، الذي بدأت تتشابك فيه الشعوب بثقافاتها المختلفة على درب التعاون والتلاقي والاندماج في ثقافة كونية، تسعى لإشاعة السلام في العالم وتحتفظ في الوقت ذاته لكل شعب بخصوصياته وعاداته وتقاليده ودينه وتراثه القومي، ضمن حركية التفاعل مع الثقافات الأخرى.
شبابنا اليوم يلهث وراء الإعلام الخارجي (الأجنبي) باحثا عن الحقيقة التي يشك في صدقها وصدقيتها ومصداقيتها وفي إعلامهم الرسمي، إذ أضحوا على يقين أنهم سيجدونها عند الآخر، وهنا بداية "الطريق السيار" للانسلاخ الثقافي وفقدان الثقة بكل ما هو محلي ما دامت الثقة مفقودة أصلا بين القائمين على الأمور.
لذا نكون قد ارتكبنا خطأ تاريخيا فادحا، إذا أصررنا على استمرارنا في التصور أن بإمكاننا المضي على درب إبعاد جيل الشباب عن المشاركة الكاملة أساسا، في إدارة شؤون حياتهم ورسم مستقبلهم والمساهمة في تدبير الشأن العام.
وخلاصة القول إن جل الدراسات والأبحاث الحديثة تدل على أن المجتمعات التي تتعرض للتغير السريع لا يعود فيها الآباء يملكون ما يقدمونه لأبنائهم، لأن معارفهم تفقد ملاءمتها للواقع الجديد والمستجد، وبذلك أصبحت العلاقة بين الأجيال حوارا مستداما لا تلقين دروس وأوامر، فمتى سنفتح حوارا جديا ومسؤولا مع شبابنا؟

الإسلام السياسي مشروع أثبت فشله بالمغرب



إن مشروع الإسلام السياسي الذي تبناه حزب العدالة والتنمية، ظهرت علامات فشله الأكيدة، خصوصا فيما يتعلق بحلم تحقيق دولة دينية، وقد ظلت الشروط القبلية لهذا الفشل حاضرة بقوة منذ أن انسلخ أبرز زعمائه الحاليين عن الرحم الأم، حركة الشبيبة الإسلامية بقيادة عبد الكريم مطيع والظهور تحت مظلة حزب عبد الكريم الخطيب، وتحت جناح هذا الأخير، آنذاك خرج حزب العدالة والتنمية ببرنامجه وتصوره هذا، حول المحور الذي يرتكز على الدولة كما يراها، وقد توصل أغلب المحللين المشهود لهم بالمصداقية والاستقلالية أن تصوره حول الدولة الإسلامية لم يتجاوز الدين الإسلامي الذي فسره كل على هواه ووظفه كل حسب ما يرى فيه من تحقيق لمآربه السياسية ومصالحه الحزبية أو الشخصية، التي كثيرا ما ابتعدت عن جوهر الإسلام وتعاليمه الحقة.
وعلى امتداد هذا المسار تبين بجلاء، للعام والخاص، أن هذا التطور الذي انبثق من لا "تصور" السائد في الحزب القديم، قبل تغيير اسمه إلى حزب العدالة والتنمية، بأنه تصور غير مؤهل لتحقيق النظام السياسي الذي يمكنه من التعامل الفعلي مع الواقع اليومي، ناهيك عن انتظارات أوسع فئات الشعب المغربي، ومهما كان الأمر، فقي نهاية المطاف قد يكون من تحصيل حاصل توظيف الدين واستغلاله لمآرب سياسية بحتة، وهنا تكمن الخطوة والشرط القبلي للفشل الأكيد. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما تم تجاوزه أحيانا كثيرة إلى الاتجار بالدين مع جهل ماهية ما يقوم عليه هذا الإنجاز.
وللتوضيح لا يكمن فشل تصور الدولة الإسلامية في الدين، وإنما يكمن بالأساس في نية توظيف الدين وجعله رهينة لتقلبات وضع سياسي أو اقتصادي معين أو لمزاجات خاصة، قاسمها المشترك توظيف الدين لخدمة أهداف سياسية وفشلها الذريع في نهج هذا التوظيف، وعموما يبدو برنامج حزب العدالة والتنمية ومشروعها السياسي، ديني الظاهر سياسي الباطن على عكس الإدعاء السائد، وهذا ما جعل البعض يطرح أكثر من علامة استفهام باتت تتناسل يوما بعد يوم لاسيما في إطار ماهية هذا التباين، في المنهج والرؤية، وبحسب المناطق والجهات التي يديرها الحزب، وهذا ما يستدعي طرح السؤال: هل حزب العدالة والتنمية مؤهل حقا للمساهمة في الحكم بالمغرب؟
لقد خبرنا سلوكات ومواقف من خلال جملة من الأحداث والنوازل تؤكد لنا ما سقناه سابقا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ماذا فعل هذا الحزب بعد أن تم الإعلان عن انخفاض أسعار المحروقات؟ ولماذا لم يطالب بخفض أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، أم أنهم مشاركون في "خوازيق" حكوماتنا إزاء المواطن العادي المغلوب على أمره، إذ تعلن عن خفض أسعار ولا تتكبد عناء الإعلان عن رفع أخرى، كأن المغربي العادي لا حق له إلا في تحمل الزيادات، أما التخفيضات فما زال لا حق له فيها ما دام لم يصل بعد إلى مستوى فرضها على الحكومة بطريقة من طرق التصدي "لخوازيقها". وفي هذا الصدد لم يحرك حزب العثماني ساكنا، علما أنه أقام الدنيا ولم يقعدها بخصوص توزيع العازل الطبي من طرف بعض جمعيات مكافحة داء فقدان المناعة (السيدا) كسبيل من سبل التقليل من انتشارها. لكن ردة فعله بخصوص رفع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية لم تكن بنفس القوة والدرجة، كما أنه وهو الذي يدعي أن همه هو تغيير واقع الحال اعتمادا على سياسة الممكن، لم يعلن عن أي موقف بخصوص خفض الأثمان بعد خفض سعر المحروقات التي كانت سببا مباشرا في ارتفاعها؟ ونفس الشيء ينطبق على ما فعله الحزب بخصوص معاناة سكان دوار تونيفيت المحرومين من أبسط الخدمات الصحية وأبسط وسائل الارتباط بالحضارة رغم أن منطقتهم غنية بخيراتها الغابوية، التي نهبت ولا زالت تنهب، ولم يغنموا منها ولو سنتيما واحدا وظف لخدمة المنطقة.
وما هذه الأمثلة إلا غيض من فيض.